الفرق بين السَّنة والعام
وردت في القرآن الكريم كلمة السنة والعام ، فما الفرق بينهما ؟ وهل هما مترادفتان تدلان على نفس المعنى، أم أن هنالك فرقاً في الدلالة ؟
نظرت في بعض الآيات التي ذُكرت فيها «السنة» إن على سبيل الإفراد ، أو على سيبل الجمع ، مع الانتباه إلى الكلمة التي تأتي بعدها .
وهذه بعض الآيات على سبيل المثال ، قال تعالى :
ـ «فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض» المائدة : 26 .
ـ «وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون» الحج : 47 .
ـ «حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة» الأحقاف : 15 .
ـ «فلبث في السجن بضع سنين» يوسف : 42 .
ـ «ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين» الأعراف : 130 .
أما بالنسبة لأهل الكهف فقد قال تعالى : «ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً» الكهف : 25 .
أما الآيات التي فيها لفظ «العام» فقوله تعالى :
ـ «فأماته الله مئة عام» البقرة : 259 .
ـ «ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس» يوسف : 49 .
ـ «وفصاله في عامين» لقمان : 14 .
ـ «فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً» العنكبوت : 14 .
- «فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا» التوبة : 28 .
هذه بعض الآيات التي تتحدث عن السنة والعام ، فما الفرق بينهما ؟
بعد البحث والتدقيق تبين ما يلي :
1- السنة والعام كلاهما مفردات زمنية ، وكلاهما متماثلان من حيث الشهور ومن حيث الأيام «اثنا عشر شهراً».
2- العام ثلاثمائة وستون يوماً والسنة كذلك ، لكن السنة في اللغة القرآنية تذكر للاثني عشر شهراً ، وللثلاثمائة وستين يوماً التي فيها معاناة . ومثال ذلك : إذا مرّ عليك اثنا عشر شهراً عشت فيها معاناة ، سواء أكانت معاناة خير أو شر، فستقول : مرّت عليّ سنة ، أما إذا مرّ عليك اثنا عشر شهراً لم تعاني فيها وكنت في رخاء ، سواء أكان هذا الرخاء مشروعاً أم غير مشروع ، فستقول : مرّ عليّ عام . ودليلنا على ذلك الآيات التي ذكرناها ، فالله عز وجل قال : «أربعين سنة يتيهون في الأرض» أي يعانون فيها من التيه .
وحين قال : «كألف سنة مما تعدون» مما تعدون السنة بعد السنة ، مما تعدون أنتم لا مما لا تعدون ، ولو كان مما لا نعد لقال كألف عام مما لا تعدون .
وفي قوله : «حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة» فهو في كل سنة هو يتعلم ويعاني .
وقال أيضاً : «ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين» لأنها كانت شداد صعاب .
وقال : «ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين» لأنهم لم يكونوا ميتين ، وقد شعروا بهذه السنين ، فقد كان الله يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وطالت أظافرهم وطالت شعورهم ، فهم في معاناة لأنهم نائمون ولم يكونوا بميتين . لكن عندما مات الإنسان قال عنه : «فأماته الله مئة عام ثم بعثه» ولم يقل مئة سنة ، لأن الموت فيه رخاء وليس فيه معاناة ، فالعام : لا تشعر به ، وفيه رخاء سلبي أو إيجابي .
وقال : «ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث» لأن فيه رخاء ، والغيث رخاء .
وقال: «وفصاله في عامين» وهما يمكن أن يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده : لِمَ لمْ يقل وفصاله في سنتين باعتبار أن الإرضاع فيه معاناة ؟ أما الجواب فهو : أن المرأة ترضع لكنها في حالة سرور ، وكأن الله يقول للمرأة أرضعي ولدك عامين ، لأن الإرضاع لمصلحتكما وأنتما في حالة سرور ، فالطفل الرضيع يُسرّ والأم المرضع تُسرّ أيضاً ، وهذه دعوة مُبطنة للإرضاع الطبيعي .
وقال : «فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً» ألف سنة : فيها معاناة ، خمسون عاماً : لم يكن يدعوهم فليس هناك معاناة ، فسيدنا نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، خمسون عاماً لم يكن يدعو ، بينما في الفترات التي كان يدعو فيها كان في معاناة: «وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً» فقد كان يلقَ منهم العَنَت الكبير، وكان يدعوهم ليلاً ونهاراً ، لذلك كانت مدة لبثه في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً .
3- لو نظرنا إلى القرآن الكريم لرأينا أن «السنة» وردت تسع عشرة مرة ، سبع مرات مفردة ، واثنا عشرة مرة مجموعة ، أما العام فقد ورد مفرداً فقط سبع مرات ولم يرد مجموعاً ، فكلمة أعوام غير موجودة في القرآن .
والسرّ في ذلك أن القرآن يحث الإنسان من أجل أن لا يكثر من اللامعاناة ، الرخاء ، فالذي لا يعمل لن يذوق طعم الراحة . ولم يذكر الله الأعوام بالجمع حتى لا تكثّر عليك من أعوام السرور .
ولننظر إلى أنفسنا نحن ، هل نحن نعيش أعواماً أم سنوات ؟ نحن نعيش أعواماً لأننا نمضي أيامنا كلها رخاء ، منها رخاء إيجابي والكثير منها سلبي لأننا لا نشتغل ، وتمرّ علينا هذه الفترة على أنها عام لا على أنها سنة . فأين هي المعاناة عندنا ؟ يمكن أن نعتبر بعض الأمور التافهة معاناة ، فلو أننا منعنا عن التلفاز بسبب عطل فيه ربما اعتبرنا ذلك معاناة ، أو إذا لم يذهب أحدنا إلى المزرعة في الصيف ، أو إلى البحر اعتبر ذلك معاناة . هذه ليست معاناة ، وإنما المعاناة تكون في الهدف الكبير أو الصغير، " قل لي ما يَهُمك أقل لك من أنت " إن كان همك كبيراً فأنت تعاني ، لكن إن كان همك صغيراً فهذه ليست معاناة .
لذلك أنا أستحي أن نسمي أيامنا وشهورنا «عاماً» حتى «العام» هو بعيد عنا . فنحن عبارة عن ساعات تتحرك ، لأن الأمة التي تستهتر بزمنها ليست حضارية . الأمة التي يقول أفردها : سبحان الله البارحة كان جمعة واليوم هو الجمعة ، وها هي الأيام تتقلب بسرعة . هذا صحيح هي تتقلب بسرعة ، لكنك تتدحرج نحو القبر دحرجةً .
هل الأمة التي لا تعمل وتستهتر بزمنها سوف تنتصر على أعدائها ، أم إننا ننتظر أن يهلك الله الأعداء دون أي جهد منّا ؟!
لن ينصرنا الله من غير عمل ، لأن سنة الله تجسدت في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال :{ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً } ، والذي كان دائم الفكرة .
نسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير وأن يعصمنا عن كل شر
بقلم: د. محمود عكام
منقول للفائدة