تطرق كثيرون إلى موضوع دمج تقنية المعلومات والاتصالات بالتعليم بطرق شتى وأفكار متعددة واقتراحات متباينة، وبمسميات مختلفة مثل: الحاسوب والتعليم، والتعليم الحاسوبي، والتعليم والوسائط المتعددة، والتعليم الرقمي، والتعليم الإلكتروني، واستخدام الحاسب بالتعليم، والمحتوى الرقمي، والمحتوى الإلكتروني، والمنهج الرقمي، والمنهج الإلكتروني.
وقد رأى التربويون أن تسمية دمج تقنية المعلومات والاتصالات بالتعليم هي الأشمل لأنها، أي تقنية المعلومات، تجمع بين دفتيها: المعلومات والحاسب والشبكات والمحتوى الرقمي والإنترنت ومواقعها والوسائط المتعددة، وغيرها. وهذا الدمج ليس أمنية يتمناها الفرد أو المجتمع أو متاعًا يبتاعه من السوق، إنما هو خطة وطنية شاملة يشترك فيها عدد كبير من المسؤولين والمشرفين والمعلمين بقطاع التربية والتعليم مع ذوي العلاقة من القطاع الخاص. ولابد لهذه الخطة من استراتيجية واضحة تحدد المسار الزمني والموارد اللازمة لها. ورد في كتيب خطة دمج تقنية المعلومات والاتصال في التعليم(1): إن دمج التقنية في التعليم هو التحدي الذي هو جوهر الإصلاح التربوي المعتمد على التقنية. والهدف الذي نسعى لتحقيقه أن تصبح التقنية -عملية ومنتجًا- جزءًا لا يتجزأ من بيئة التعلم المدرسية بجميع مكوناتها: المنهج وأساليب التعليم والتعلم والتقويم والإدارة وما يرتبط بهذه المكونات من مدخلات وعمليات ومخرجات.
تأخير الدمج ضار
وقد تواجه خطة دمج تقنية المعلومات بالتعليم بعض المقاومة والرفض من قبل المعلمين بالذات ما يحتم أن تكون أحد أهم العوامل الأساسية المصاحبة لدمج تقنية المعلومات بالتعليم هو إدارة التغيير التي تبدأ مع خطة الدمج وتستمر معها سنوات. وهذا ليس بمستغرب. فالتعليم التقليدي مضى عليه عشرات السنين، وتعوّد البشر نمطه ومعطياته ومخرجاته؛ فأضحى أي تعديل عليه بمنزلة خطف الرضيع من بين يدي والدته. فمن حجج الرافضين أنه يمكن الحكم على المحتوى التعليمي بالكتاب المدرسي ومعرفة معظم خصائصه بمجرد تصفحه. أما المحتوى الرقمي فلا يمكن معرفة خصائصه والحكم عليه قبل استخدامه لفترات طويلة. وهذا صحيح إلى حد بعيد ولكن التأخير في دمج التقنية بالتعليم سيوسع الفجوة بين المعلمين والطلاب، حيث أصبح لدى الطالب مهارات في مجال تقنية المعلومات والاتصالات ربما لا يجيدها معلمه أو بعض أقرانه (أو بمعنى آخر ظهر تفاوت كبير بين الطلاب من جهة وبين الطلاب والمعلمين من جهة، في المهارات المتعلقة بتقنية المعلومات)، وهذا أحدث (أو سيُحدث) ردة فعل لدى عدد كبير من المعلمين الذين اعتادوا أن يكونوا المرجع أو المصدر الوحيد للمعلومة في الفصل.
ولدمج تقنية المعلومات والاتصالات بالتعليم محوران هامان: الأول على مستوى المدرسة، والثاني على مستوى الفصل الدراسي. ففي المدرسة تساعد تقنية المعلومات على تحسين مستوى الخدمة التعليمية، وتحسين مستوى أداء الإدارة المدرسية، وتفعيل دور أولياء الأمور في الوقوف على مستوى تحصيل أبنائهم، وتنشيط تطبيقات الإدارة المدرسية، والخدمات الاجتماعية (التواصل مع المجتمع)، وتوفير مصادر التعلم من مراجع وموسوعات وكتب إلكترونية ومواقع تعليمية وغيرها.
أما في الفصل الدراسي فتستثمر تقنية المعلومات في تحسين مستوى تحصيل الطلاب الدراسي، وتطوير مهاراتهم، والسعي لأن تكون تقنية المعلومات وسيلة لذلك. وتساعد تقنية المعلومات بمعطياتها المتعددة ومعلوماتها الواسعة على جعل الطالب محورًا للعملية التعليمية، وجعله يتعلم كيف يتعلم، ويبحث ويناقش ويعرض ويقارن. هذا بالإضافة إلى توفير المحتوى الرقمي الدراسي التفاعلي والكتب الإلكترونية للمناهج الدراسية في الفصل الدراسي واستخدامها وتوظيفها في التعليم والتعلم.
وللاستفادة القصوى من تقنية المعلومات في التعلم والتعليم يجب أن تشمل خطة الدمج عددًا من المسائل من أهمها:
٭ تحديث أسلوب التعليم بما يتماشى مع هذا الدمج.
٭ تحديث المناهج المدرسية وتأكيدالترابط الموضوعي فيما بينها.
٭ توفر المحتوى الرقمي العلمي المتوافق مع متطلبات المنهج الدراسي.
٭ توفر الأدوات اللازمة للعملية التعليمية الجديدة (مثل: برمجيات جمع المعلومات وعرضها، وبرمجيات النشر الإلكتروني Authoring Tools).
٭ توفر البنية التحتية اللازمة لذلك (الاتصالات، الحاسبات، نظم الإدارة التعليمية LMS).
٭ تدريب المعلمين ورفع كفاءتهم لاستخدام تقنية المعلومات.
٭ تعديل نظام التعليم لجعل «الطالب محور العملية التعليمية».
٭ اعتماد أسلوب «التعلم في حالة مستمرة».
٭ اعتماد أسلوب أن المتعلم هو الباحث عن المعلومة، والمعلم هو المُخْوِل وليس المصدر الوحيد للمعلومة.
الطالب محور التعليم
ولنجاح التعليم والاستفادة المثلى من دمج تقنية المعلومات بالتعليم لا بد من جعل الطالب هو محور العملية التعليمية، وذلك من خلال مساعدته في الاعتماد على نفسه في البحث والتقصي وجمع المعلومات والربط والاستنتاج والتدوين والكتابة والتواصل وغير ذلك. كما يجب التركيز على جعل الطالب يتعلم كيف يتعلم، وجعله يبحث عن المعلومة من مصادر متعددة ومتنوعة، بالإضافة إلى استغلال كبر حجم المعلومات المتوفرة في ترسيخ مبدأ التعاون بين الأقران والتركيز على العمل الجماعي في مراحل مبكرة جدًا من مراحل الدراسة.
المحتوى الرقمي
هذا وقد يكون دمج تقنية المعلومات والاتصالات في التعلم والتعليم بسيطًا كاستخدام وسائل العرض في الفصل الدراسي، أو معقدًا يصل لحد استخدام الفصول الافتراضية والتفاعل الشامل مع المحتوى الرقمي. ومما يساعد على تحقيق ذلك سعة مصادر المعلومات ووفرتها وسرعة الوصول إليها وسهولة البحث فيما بينها. وهناك خصائص وميزات وضوابط وتحفظات حول دمج تقنية المعلومات والاتصالات بالتعليم سنتطرق إليها عبر هذه المقالة. ولكن لمعرفة أهمية تقنية المعلومات ومدى حاجة المجتمع التربوي إليها لابد من معرفة ماذا تقدم هذه التقنية للتعليم. ومن أهم ما يقدمه هذا التطور الجديد: المحتوى الرقمي التفاعلي، والذي يعد بمنزلة الجوهرة من العقد. ويختلف المحتوى الرقمي باختلاف الهدف الذي وضع من أجله: فالبرامج المعدة للاستذكار الفردي تختلف عن تلك المعدة للنقاش داخل الفصل الدراسي. ويعود الاختلاف بالدرجة الأولى إلى طريقة عرض المادة العلمية والتوزيع الزمني أو الموضوعي لها. كما تختلف المادة باختلاف المتلقي لها حيث تعد مادة المعلم كمادة خام يمكنه تشكيلها حسب القدرات الذهنية لطلابه. ويمكن القول إن التوزيع المبدئي لأنواع المحتوى الرقمي على النحو التالي:
٭ برامج الطالب: وهذا النوع من البرامج معد للاستذكار المنزلي الفردي للطالب يحتوي على معلومات الكتاب المدرسي كاملاً إلكترونيًا، بالإضافة إلى الشرح باستخدام تقنية الوسائط المتعددة (الصوت والصورة والرسوم المتحركة ولقطات الفيديو)، مع إضافة بنوك الأسئلة على مستوى الوحدات والفصول، والتي تراعي عادة الفوارق الفردية والمتميزين من الطلاب.
٭ برامج المعلم (دليل المعلم): وهذه البرامج تحتوي على تعليمات شاملة للمعلم حول طرائق تدريس المنهج ودروس نموذجية، وتخطيط زمني على مستوى الحصة والفصل الدراسي، بالإضافة إلى الكتاب المدرسي الإلكتروني وبنك للأسئلة والامتحانات، وأساليب التقييم.
٭ برامج مصادر التعلم: تستخدم هذا البرامج من قبل المعلم للحصول على المعلومات الإضافية لمواضيع المادة التي يُدرسها، تشتمل على أمثلة حية من الواقع العملي، وصور ولقطات فيديو، وعروض، وأدوات النشر التعليمي اليسيرة(Authoring Tools).
٭ برامج الفصل الدراسي: وتستخدم هذه البرامج من قبل المعلم داخل الفصل الدراسي، تشتمل على أساليب التعليم الحديثة مثل: بناء المشاريع والتعليم التعاوني وحل المشاكل، وغيرها.
وهذا التصنيف مبني على أساس الغرض من المحتوى الرقمي. أمّا التصنيف الأكثر شيوعًا فهو المبني على نوع المحتوى. ذكر الأستاذ عصام فريحات(2) أن أنواع البرامج التعليمية على النحو التالي:
٭ المعلم الخاص Private Tutorials.
٭ التدريبات Drills.
٭ المحاكاة Simulations.
٭ الاختبارات .Tests
يبقى أن نعرف أن من الضروري الاهتمام بالمعايير الفنية للمحتوى الرقمي. ولكي لا نعيد اختراع العجلة يمكن الاستفادة من أحد المعايير العالمية الشائعة مثل معايير سكورم والتي أخذت في الانتشار خلال السنوات الأربع الماضية. وكلمة سكورم هي ترجمة حرفية من اللغة الانجليزية Sharable ******* ****** Referent Model SCORM والتي تعني: النموذج المرجعي لمكونات المحتوى التشاركي (المشاع). ومعايير سكورم عبارة عن ثلاث مجموعات من المعايير والمقاييس (أو المواصفات) التراكمية (تنمو مع الزمن) المجمعة من مختلف الجهات التعليمية والتقنية تكّون بمجموعها مرجعًا فنيًا لصناع المحتوى الرقمي التعليمي. والمجموعات الثلاث هي:
٭ نموذج تجميع المحتوى الرقمي(******* Aggregation Model).
٭ البيئة المثالية (Run-Time Environment).
٭ التتابع والتقصي (Sequencing and Navigation).
ومن الميزات الهامة لمعايير سكورم أنها تعتمد على تجزئة المحتوى الرقمي إلى مكوناته الأصلية وجعلها قابلة للتشارك من خلال التجميع والتكوين وفق متطلبات العملية التعليمية. وعند تطبيق معايير سكورم عند بناء المحتوى الرقمي التعليمي فإنها تحقق لمستخدميها الميزات التالية:
٭ إمكانية نشر المحتوى الرقمي (وجزئياته) بأي بيئة إدارة محتوى (LMS) بسهولة.
٭ إمكانية استخدام المحتوى الرقمي (وجزئياته) وإعادة استخدامه مرات متعددة وبأشكال متعددة.
٭ إمكانية متابعة أداء المتعلم وتطوره الأكاديمي بما في ذلك التقييم والوقت اللازم للتعلم وغيرها.
٭ إمكانية ضم جزئيات المحتوى المختلفة للحصول على محتوى رقمي تعليمي ذي تتابع وتشعب ملائم للمتطلبات التعليمية.
ويتكون المحتوى الرقمي التعليمي (بحسب معايير سكورم) من الجزئيات الأساسية التالية، وهي ليست توزيعات فاصلة بل متداخلة وقابلة للتشعب والتوزيع:
٭ النصوص المكتوبة.
٭ الرسومات الإيضاحية والصور الفوتوغرافية.
٭ التسجيلات الصوتية والمؤثرات الصوتية.
٭ الفيديو والرسوم المتحركة.
٭ الخرائط التوضيحية.
وتوفر المحتوى الرقمي بأشكاله المختلفة ضروري لاكتمال عجلة التعليم الإلكتروني. والمحتوى ليس جهازًا يشترى ويستخدم حتى يفنى ثم يستبدل؛ بل هو تراكم معرفي ينمو مع الزمن ويساهم في نموه وتنوعه عدد كبير من المختصين والتربويين. وهو ثروة وطنية يجب الاهتمام بها ورعايتها وتنميتها وإنشاء الهيئات والدور المتخصصة لذلك. واليوم تفتخر الدول بما لديها من مخزون تراكمي من المحتوى الرقمي، وتسعى لأن يغطي أكبر شريحة ممكنة من المتعلمين والمتدربين. هذا ويجب حث المعلمين على المساهمة في نمو المحتوى العلمي، نظرًا لتطور أدوات النشر للوسائط المتعددة وسهولة استخدامها.